الجمال صفة يحبها القلب .. وتستلذ بها الأبصار .. وتستمتع لمشاهدتها الأعين .. وتتهادى لها الأرواح .. وتأنس بها النفس .. وتتراقص لها المشاعر .. وتهفو إليها سجيّة كل ذي فطرة ..,
الجمالُ في جوهره صفة ربانية من صفاتِ الخالق سبحانه وتعالى .. فله جلّ شأنه الصفات العلى والكمال المُطلق ..
ولذا كان من أمرِ أهل الجنة – جعلنا الله من أهلها وإياكم – أن أكبر نعيم يعطونه هو .. رؤية الخالق المتوحد في الجلال بكمال الجمال سبحانه وتعالى .. وقد جاء من صفته "أنه جميلٌ يحب الجمال" ..
ثم كان من أمره وحكمته أنه خلق أبا البشر ( آدم ) بيديه .. فجعله في أحسن تقويم وأجمل صورة .. ولذا فإن أهل الجنة يدخلونها على صورة آدم عليه السلام ..
وقد أنعم سبحانه بعد ذلك على الأنبياء من صلبه .. فجعلهم من أوسط الناس حسباً ونسباً .. ثم جعلهم على صورةٍ من الجمال والحُسن : نعمةً منه .. ولياقةً في تسرُبِ دعوتهم نفوس البشر .. إذ حكى الترمذي عن قتادة : " مابعث الله نبياً إلاّ حسَن الوجه ، حسَن الصوت ، وكان نبيكم حسَن الوجه ، حسَن الصوت ، وكان لا يرجع " .
ومما لا ريب فيه من هذا الشأن .. أنّ نبي الله يوسف - عليه السلام – كان من أشهر هؤلاء الأنبياء الذين وُصفوا بالحُسن والجمال .. إذ أخبر الرسول – صلى الله عليّه وسلم – أنه رآه وقد أُعطي شطر الحُسن .
وكذا كانت والدة يوسف – عليه السلام - فقد جاء عن ابن مسعود أنه قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحُسن ..!!
وعلى ذلك كانت جدته الكبرى ، وزوجة جده الأكبر ( إبراهيم عليه السلام ) .. فقد كانت " سارة " والدة إسحاق – عليه السلام – آية من آيات الله في الحُسن والجمال .. وقد قيل أنها لم تفارق الحور العين إلا فيما يعتري الآدمية من الحيض وغيره ..
وعوداً إلى جمال يوسف – عليه السلام – فقد قيل أنّهُ كان يُغطي وجهه إذا جاءته امرأة لئلا يفتنها ..!! خلاف ما عليه المتباهون في هذا الزمن (مع الأخذ بالفارق الشاسع في درجة الجمال) ..
وعلى أفضل من هذا وأكمل كان رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم – فقد وصفه من رآه أنه كالقمر .. وقد أتى " حسّان " على ذكر هذا الجمال المحمدي في شعره .. فقال :
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ
خلقتَ مبرءاً منْ كلّ عيبٍ كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ
فصلى الله على أنبياء الله جميعاً وسلّم .
هذا وقد وزّع الله الجمال على كثير من خلقه .. إنعاماً وامتحاناً !!
يحكى أن ابن السماك قال لهارون الرشيد : يا أمير المؤمنين إن امرأ أتاه الله جمالاً في خلقته .. وموضعاً في حسبه .. وبسط له في ذات يده .. فعفّ في جماله .. وواسى من ماله .. وتوضع في حسبه كُتب في ديوان الله من خالص أولياء الله .. فدعا هارون بدواة وقرطاس وكتبه بيده ..
ولعلنا نذكر في هذا الصدد بعض مشاهير العرب من هذه النعمة :
*فمن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الذين اشتهروا بالجمال والحُسن " جرير بن عبدالله البجلي " – رضي الله عنه - .. فقد كان هذا الصحابي الجليل جسيماً جميلاً .. وكان سيّداً في قومه .. عاقلاً كريماً متواضعاً رضي الله عنه .. وقد قال عن جماله " عمر بن الخطّاب " رضي الله عنه : " جرير بن عبدالله البجلي يوسفُ هذه الأمة " !
*ومن الصحابة الذين اشتهروا بالحُسن والجمال " دحية الكلبي " الذي كان جبريل يتنزّلُ على صورته .. وقد كان رضي الله عنه مضرب المثل في حُسنِ الصورة ..
*وقد ذكر ابن أبي الدنيا وغيره أن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – كان أبيض طويلاً جميلاً .. ويُثبت هذا الشيء قول أسلم مولى عمر إذ قال : قدم علينا معاوية وهو أبض الناس وأجملهم ..
*وعلى هذا الشرط كان " مصعب بن الزبيّر بن العوّام " .. فقد كان وسيماً جميلاً يُضرب المثل بحُسنه وهيأته .. ثم إنه بعد ذلك قد تزوج بأجمل سيدتين في عصره .. وهما :
سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ..
وعائشة بنت طلحة بن عبيدالله ( رضي الله عن الجميع ) ..
*ومن المشاهير في هذا الشأن " نصر بن حجاج " وقصته مع عمر بن الخطاب الذي نفاه إلى العراق وهي مشهورة معلومة عند أرباب الأدب وخواصه ..
*كذلك الشاعر المقنع الكندي* .. والذي يروي لنا التأريخ أن الناس قد فتنوا بجماله .. فأشار عليه من حوله بأن يقص من شعره فلربما قل حسنه .. ولما فعل ذاك ازداد حسناً وجمالاً فلبس القناع (يتوارى من القوم) ..
كنت أظن سابقاً أن الجمال للنساء .. والوسامة للرجال .. وبعد بحث وقراءة .. وجدت أن الرجل يطلق عليه وسيماً وجميلاً .. كذلك المرأة وسيمة وجميلة .. ولكم أن تبحثوا في قواميس اللغة ..
هناك فرقاً بين الرجل والمرأة في هذا المجال .. فالجمال صفة سائدة عند أكثر النساء ويعد متنحياً عن أغلب الرجال .. لذا ندرك تماماً أهميته وأولويته لدى المرأة بخلاف الرجل .. ولذا أيضاً تحدثت عن جمال الرجال ولم أتعرض للنساء ..!
أجزم معشر الشباب أنه لا أحد منا إلا ويتمنى أن يكون جميلاً ووسيماً ولو إلى حدٍ ما ..!! كذلك هي الجِبِلّة .., ولكن ماهي درجة تأثير الجمال على شخصية الرجل ومكانته وتقبل الناس له .. وانجذابهم إليه ..؟؟
نعم هناك تأثيرات ملموسة .. وقوى جذب محسوسة لسلوك ذلك الرجل الجميل .. في حركاته وسكناته .. حينما يتكلم أو يتزين أو حتى يأكل ويشرب .. فتجد أن الأعين تلاحقه .. والأبصار تلاحظه .., وليس هذا نهاية المطاف ..
فالشخصية الرجولية أحبتي هي أشد تأثيراً في المجتمع .. وأكثر جذباً .. فأهم ما يميز الرجل ويعطيه مكانته .. تصرفاته ومواقفه وقراراته التي تعكس مدى رجولته من عدمها .. وكما قيل "الرجال مخابر وليس مظاهر"
فما الجمال إلا حافز من حوافز القبول لدى الرجل .. ولا يعد أساساً ولا مقياساً..!!
اتمني اعجبكم الموضوع يحلوين
ابو سلاف